تعريف الدعـاء
الدعاء هو النداء والطلب
ومنه قوله سبحانه : ( ومثل الذين كفروا
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ) [البقرة : 171]
قال في المصباح المنير : دعوت الله أدعوه
دعاء . ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير ، ودعوت زيدا : ناديته ، وطلبت
إقباله .
وقال الزمخشري : دعـو : دعوت فلانا وبفلان
: ناديته وصحت به
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : الدعـاء
هو إظهـار غـاية التذلل والافتقار الى الله والاستكانة له .
ويفرق العلماء بين الدعاء والأمر والالتماس
.
فالأمر : طلب من الأعلى إلى الأدنى .
والدعاء : - عكسه – طلب من الأدنى إلى الأعلى
.
والالتماس : طلب بين متساويين .
وإنما أوردت الفروق هنا لأن من الناس من
يشكل عليه قول الداعي – مثلا – : اللهم أدخلني برحمتك التي وسعت كل شيء . فيظن أن هذا
من جنس الأمر ، وليس كذلك .
أنواعـه :
باعتبار هيئة الداعي :
أن يرفع يديه حذو منكبيه ، أو يمـد يديه
مـدا ، أو يشير بأصبع واحدة .
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : المسألـة
أن ترفع يديك حـذو منكبيك أو نحوهما ، والاستغفار
أن تشير بأصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعا .
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
إذا خطب يشير بأصبعه المسبحـة .
روى مسلم عن عمارة بن رؤيبة – رضي الله
عنه – أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال : قـبـح الله هاتين اليدين
! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه
المسبحة .
باعتبار لفظ الدعاء :
توحيد وثناء ، ومسألة عفو ورحمة ، وسؤال
عافية ونحوها .
قال ابن منظور – رحمه الله – :
قال الله تعالى : ( وادعوا شهداءكم من دون
الله إن كنتم صادقين ) قال أبو إسحاق : يقول : ادعوا من استدعيتم طاعته ورجوتم معونته
في الإتيان بسورة مثله ، وقال الفراء : وادعوا شهداءكم من دون الله يقول آلهتكم . يقول
استغيثوا بهم ، وهو كقولك للرجل : إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين ، ومعناه استغث
بالمسلمين ، فالدعاء ههنا بمعنى الاستغاثة ، وقد يكون الدعاء عبادة :( إن الذين تدعون
من دون الله عباد أمثالكم ) وقوله بعد ذلك
: ( فادعوهم فليستجيبوا لكم ) يقول ادعوهم في النوازل التي تنـزل بكم إن كانوا آلهة
كما تقولون يجيبوا دعاءكم ، فإن دعوتموهم فلم يجيبوكم فأنتم كاذبون أنهم آلهة ، وقال
أبو إسحاق في قوله عز وجل : ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) معنى الدعاء على ثلاثة أوجه
:
فضرب منها توحيده والثناء عليه كقولك :
يا الله لا إله إلا أنت ، وكقولك : ربنا لك الحمد . إذا قلته فقد دعوته بقولك ربنا
ثم أتيت بالثناء والتوحيد ومثله قوله عز وجل :( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) فهذا ضرب من الدعاء .
والضرب الثاني مسألة الله العفو والرحمة
وما يقرب منه كقولك : اللهم اغفر لنا .
والضرب الثالث مسألة الحظ من الدنيا كقولك
: اللهم ارزقني مالا وولدا .
وإنما سمي هذا جميعه دعاء لأن الإنسان يصدر
في هذه الأشياء بقوله يا الله ، يا رب ، يا رحمن ، فلذلك سمي دعاء . اهـ .
ويقسم بعض العلماء الدعاء إلى :
1 - دعاء عبادة .
2 – دعاء مسألة .
فالأول مثاله الصوم والصلاة وسائر العبادات
، فإذا صلى أو صام فقد دعا ربه بلسان حاله أن يغفر له ، وأن يجيره من عذابه ، وأن يعطيه
من نواله .
ومن صرف شيئا من هذا النوع لغير الله فقد
أشرك بالله ، وشركه يعد شركا أكبر .
والثاني منه ما هو عبادة ، وهو موضوع هذا
الكتاب ، وهذا لا يجوز صرفه إلا لله ، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك .
ومنه ما هو ليس من جنس العبادة ، ومنه قوله
– عليه الصلاة والسلام – : من دعـاكـم فأجيبوه
. وهذا مما يقدر عليه المخلوق ، وفيما يقدر عليه .
والدعاء إنما يكون رغبة ورهبة خوفا ورجاء
.
رغبة بما عند الله – جل جلاله – من الثواب
العاجل والنعيم المقيم ، ورهبة مما أعده لأعدائه من العذاب المقيم والنكال والجحيم
.
وقد أثنى الله على أنبيائه فقال : ( إنهم
كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) [ الأنبياء :
90 ] .
وقال – عز وجل – آمـرا عباده المؤمنين بذلك
: ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (55) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها
وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين ) [ الأعراف : 55 ، 56 ]
ثانيا : الأمر بالدعاء والحث عليه
أمر الله سبحانه بالدعاء ووعد بالإجابة
، فقال جل شأنه : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين ) [ غافر : 60 ]
فسمى الله عز وجل الدعاء : عبادة ، كما
في الآية السابقة ، وكذلك سـماه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث النعمان
بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الدعاء هو العبادة
» ثم قرأ : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ غافر : 60 ] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله
– : الدعـاء من أعظـم الديـن .
وقال ابن منظور – رحمه الله – :
في أسماء الله : المجيب ، وهو الذي يقابل
الدعاء والسؤال بالعطاء والقبول سبحانه وتعالى
.
وأمـر الله – عز وجل – بالدعاء والإخلاص
فيه ، فقال سبحانه : ( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين
له الدين كما بدأكم تعودون ) [ الأعراف :29 ] إذ الدعاء حال الإخلاص أبلغ في حصول المقصود
، وأقرب إلى انكسـار القلب ، وصدق اللجؤ إلى الله سبحانه وتعالى . لذا كانت دعـوة المضطر
مستجابـة : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) [ النمل :62 ] .
وفي المسند وغيره عن أبي هريرة قـال : قال
رسـول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجرا ،
ففجوره على نفسه .
ألم تر حال المشركين في الجاهلية الأولى
كيف يتخلون عن آلهتهم ويدعون الله مخلصين له الدين وذلك إذا ركبوا في الفلك ، واضطربت
بـهم الأمواج ، كما في قوله تعالى : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا
بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين
له الدين ) [يونس : 22 ] .
والمشركون ما كانوا يفزعون لآلهتهم عند
الشدائد ، بل كانوا يلجئون إلى الله ، إذ النفوس جبلت على الالتجاء لله وحده عند حصول
المكروه ؛ إلا ما يكون من بعض مشركي زماننا ! فإن ملجأهم ومفزعهم (السيد) أو (القطب)
، فأبو جهل أفقه من هؤلاء !!
تأمل قول الله تبارك وتعالى : ( وإذا غشيهم
موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين )
[ لقمان : 32 ] .
قال ابن القيم – رحمه الله – : التوحيد
مفزع أعدائه وأوليائه ؛ فأما أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها :( فإذا ركبوا
في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [العنكبوت
: 65 ] ، وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ، ولذلك فزع إليه
يونس فنجـاه الله من تلك الظلمات ، وفزع إليه أتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا ، وما أعد لهم في
الآخرة ، ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعـه ؛ لأن الإيمان
عند المعاينة لا يقبل . هذه سنة الله في عباده . فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد .
ولما
ذكر الصيام وأحكامه في التنـزيل العزيز ناسب المقـام أن يذكر بعده شأن الدعاء
، إذ الصيام يقترن بالقيام فهما صنوان ، والقيام يتضمن الدعاء ، قال ربنا سبحانه :
( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا
بي لعلهم يرشدون ) [ البقرة : 186] .
وجاء في سبب نـزول هذه الآية أن الصحابة
رضي الله عنهم قالوا : يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فأنـزل
الله هذه الآية .
وتمعن في هذه الآية حيث لم تجعل الإجابة
فيها للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقد ورد قبلها آيـات وبعدها آيات سئل فيها
الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسئلة جاءته الإجابة مصدرة ـ ( قل ) : ( يسألونك
عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [ البقرة :189] (سألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم
من خير فللوالدين والأقربين ) الآية [ البقرة : 215] ( يسألونك عن الخمر والميسر قل
فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهمآ أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو
) الآية [ البقرة : 219] ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ) الآية [ البقرة
: 220 ]
وغيرها من الآيات ، أما هذه الآية فصدرت
بـ ( فإني قريب ) .
وما ذلك إلا لأن الدعاء عبادة محضة لا يجـوز
صرفها لغير الله ، وحتى لا يتوهم أن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم واسطة بين الخلق والخالق في ذات العبادة ، فجاء
الجواب بالتأكيد ( فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم
يرشدون ) ولم يقل سبحانه وتعالى : فقل ، أي يا محمد . والله أعلم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق