الجمعة، 3 مايو 2013

تعريف الدعـاء بمعناه الصحيح




تعريف الدعـاء

الدعاء هو النداء والطلب
ومنه قوله سبحانه : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ) [البقرة : 171]
قال في المصباح المنير : دعوت الله أدعوه دعاء . ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير ، ودعوت زيدا : ناديته ، وطلبت إقباله      .
وقال الزمخشري : دعـو : دعوت فلانا وبفلان : ناديته وصحت به  
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : الدعـاء هو إظهـار غـاية التذلل والافتقار الى الله والاستكانة له     .
ويفرق العلماء بين الدعاء والأمر والالتماس .
فالأمر : طلب من الأعلى إلى الأدنى .
والدعاء : - عكسه – طلب من الأدنى إلى الأعلى .
والالتماس : طلب بين متساويين   .

وإنما أوردت الفروق هنا لأن من الناس من يشكل عليه قول الداعي – مثلا – : اللهم أدخلني برحمتك التي وسعت كل شيء . فيظن أن هذا من جنس الأمر ، وليس كذلك .

أنواعـه :

باعتبار هيئة الداعي :
أن يرفع يديه حذو منكبيه ، أو يمـد يديه مـدا ، أو يشير بأصبع واحدة .
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : المسألـة أن ترفع  يديك حـذو منكبيك أو نحوهما ، والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعا   .
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خطب يشير بأصبعه المسبحـة .
روى مسلم عن عمارة بن رؤيبة – رضي الله عنه – أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال : قـبـح الله هاتين اليدين ! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة   .

باعتبار لفظ الدعاء :
توحيد وثناء ، ومسألة عفو ورحمة ، وسؤال عافية ونحوها .
قال ابن منظور – رحمه الله – :
قال الله تعالى : ( وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) قال أبو إسحاق : يقول : ادعوا من استدعيتم طاعته ورجوتم معونته في الإتيان بسورة مثله ، وقال الفراء : وادعوا شهداءكم من دون الله يقول آلهتكم . يقول استغيثوا بهم ، وهو كقولك للرجل : إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين ، ومعناه استغث بالمسلمين ، فالدعاء ههنا بمعنى الاستغاثة ، وقد يكون الدعاء عبادة :( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ) وقوله بعد ذلك  : ( فادعوهم فليستجيبوا لكم  ) يقول  ادعوهم في النوازل التي تنـزل بكم إن كانوا آلهة كما تقولون يجيبوا دعاءكم ، فإن دعوتموهم فلم يجيبوكم فأنتم كاذبون أنهم آلهة ، وقال أبو إسحاق في قوله عز وجل : ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) معنى الدعاء على ثلاثة أوجه :
فضرب منها توحيده والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ، وكقولك : ربنا لك الحمد . إذا قلته فقد دعوته بقولك ربنا ثم أتيت بالثناء والتوحيد ومثله قوله عز وجل :( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) فهذا ضرب من الدعاء .
والضرب الثاني مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه كقولك : اللهم اغفر لنا .
والضرب الثالث مسألة الحظ من الدنيا كقولك : اللهم ارزقني مالا وولدا .
وإنما سمي هذا جميعه دعاء لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله يا الله ، يا رب ، يا رحمن ، فلذلك سمي دعاء   . اهـ .

ويقسم بعض العلماء الدعاء إلى :
1 - دعاء عبادة .
2 – دعاء مسألة .
فالأول مثاله الصوم والصلاة وسائر العبادات ، فإذا صلى أو صام فقد دعا ربه بلسان حاله أن يغفر له ، وأن يجيره من عذابه ، وأن يعطيه من نواله .
ومن صرف شيئا من هذا النوع لغير الله فقد أشرك بالله ، وشركه يعد شركا أكبر .
والثاني منه ما هو عبادة ، وهو موضوع هذا الكتاب ، وهذا لا يجوز صرفه إلا لله ، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك .
ومنه ما هو ليس من جنس العبادة ، ومنه قوله – عليه الصلاة والسلام – : من دعـاكـم فأجيبوه   . وهذا مما يقدر عليه المخلوق ، وفيما يقدر عليه   .

والدعاء إنما يكون رغبة ورهبة خوفا ورجاء .
رغبة بما عند الله – جل جلاله – من الثواب العاجل والنعيم المقيم ، ورهبة مما أعده لأعدائه من العذاب المقيم والنكال والجحيم .
وقد أثنى الله على أنبيائه فقال : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) [ الأنبياء : 90 ] .
وقال – عز وجل – آمـرا عباده المؤمنين بذلك : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (55) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين ) [ الأعراف : 55 ، 56 ]


ثانيا : الأمر بالدعاء والحث عليه

أمر الله سبحانه بالدعاء ووعد بالإجابة ، فقال جل شأنه : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ غافر : 60 ] 
فسمى الله عز وجل الدعاء : عبادة ، كما في الآية السابقة ، وكذلك سـماه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الدعاء هو العبادة »  ثم قرأ : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ غافر : 60 ]   .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : الدعـاء من أعظـم الديـن   .
وقال ابن منظور – رحمه الله – :
في أسماء الله : المجيب ، وهو الذي يقابل الدعاء والسؤال بالعطاء والقبول سبحانه وتعالى   .
وأمـر الله – عز وجل – بالدعاء والإخلاص فيه ، فقال سبحانه : ( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ) [ الأعراف :29 ] إذ الدعاء حال الإخلاص أبلغ في حصول المقصود ، وأقرب إلى انكسـار القلب ، وصدق اللجؤ إلى الله سبحانه وتعالى . لذا كانت دعـوة المضطر مستجابـة : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) [ النمل :62 ] .
وفي المسند وغيره عن أبي هريرة قـال : قال رسـول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجرا ، ففجوره على نفسه   .
ألم تر حال المشركين في الجاهلية الأولى كيف يتخلون عن آلهتهم ويدعون الله مخلصين له الدين وذلك إذا ركبوا في الفلك ، واضطربت بـهم الأمواج ، كما في قوله تعالى : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين ) [يونس : 22 ] .
والمشركون ما كانوا يفزعون لآلهتهم عند الشدائد ، بل كانوا يلجئون إلى الله ، إذ النفوس جبلت على الالتجاء لله وحده عند حصول المكروه ؛ إلا ما يكون من بعض مشركي زماننا ! فإن ملجأهم ومفزعهم (السيد) أو (القطب) ، فأبو جهل أفقه من هؤلاء !!
تأمل قول الله تبارك وتعالى : ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين )         [ لقمان : 32 ] .
قال ابن القيم – رحمه الله – : التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه ؛ فأما أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها :( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [العنكبوت : 65 ] ، وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ، ولذلك فزع إليه يونس فنجـاه الله من تلك الظلمات ، وفزع إليه أتباع الرسل فنجوا به   مما عذب به المشركون في الدنيا ، وما أعد لهم في الآخرة ، ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعـه ؛ لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل . هذه سنة الله في عباده . فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد     .

ولما  ذكر الصيام وأحكامه في التنـزيل العزيز ناسب المقـام أن يذكر بعده شأن الدعاء ، إذ الصيام يقترن بالقيام فهما صنوان ، والقيام يتضمن الدعاء ، قال ربنا سبحانه : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) [ البقرة : 186] .
وجاء في سبب نـزول هذه الآية أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا : يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فأنـزل الله هذه الآية   .
وتمعن في هذه الآية حيث لم تجعل الإجابة فيها للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقد ورد قبلها آيـات وبعدها آيات سئل فيها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسئلة جاءته الإجابة مصدرة ـ ( قل ) : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [ البقرة :189] (سألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ) الآية [ البقرة : 215] ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهمآ أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) الآية [ البقرة : 219] ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ) الآية [ البقرة : 220 ]
وغيرها من الآيات ، أما هذه الآية فصدرت بـ ( فإني قريب )   .
وما ذلك إلا لأن الدعاء عبادة محضة لا يجـوز صرفها لغير الله ، وحتى لا يتوهم أن النبي  صلى الله عليه وعلى آله وسلم واسطة بين الخلق والخالق في ذات العبادة ، فجاء الجواب بالتأكيد ( فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) ولم يقل سبحانه وتعالى : فقل ، أي يا محمد . والله أعلم .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
شقيق الروح